يوم التأسيس بين عرّاقة الماضي .. وتنمية المُستقبل

نَسْتَلهم فِي يَوْمِ التَّأْسِيس حَدَثًا تَارِيخِيًّا مَهْمَا كَانَ أَرْسَى فِيهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ سُعُودٍ -طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ- دَعَائِم التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ وَاسْتْبَاب الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَتَحْقِيق الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَذَلِكَ بِتَأْسِيسِه الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّة الْأُولَى فِي عَامٍ ( 1139-1233ةـ/ 1727-1818م)، وَكَانَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أَرْسَى أَوْلَى لِبَنَاتِ هَذَا الْكِيَانُ الشَّامِخ الَّذِي قَامَ عَلَى أُسُسٍ رَاسِخَةٍ تَرْتَكِزُ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالدَّعَائِم الثَّابِتَةِ الَّتِي حَقَّقَهَا -بِفَضْلِ اللَّهِ- ثُمَّ بِمِلْاحم كُبْرَى وَبُطُولَات عُظْمَى قَادَهَا بِنَفْسِه -طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ-رَغِمَ التَّحَدِّيَات الْبُطُولَيْه وَالتَّضْحِيَات الْفِدَائِيَّة الضَّارِبَة بِجِذْورِهَا فِي عُمْقِ التَّارِيخ، وَمَا كَانَ الْإِمَامُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لَوْلَا تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَالِص وَتَوَكُّلُه الْكَامِلِ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ أُولَئِكَ الرِّجَالِ الْأَفْذَاذ مِنْ الْجُدُود وَالْأبَاء الْعَلَّامَة التَّارِيخِيَّة الْخَالِدَةُ فِي تَأْسِيسِ هَذِهِ الدَّوْلَةِ الْمُبَارَكَة الَّذِين الَّتِفوا حَوْلَ إمَامُهُمْ بِصَمْود وَوَحْدَةُ وَشَجَاعَة وَبَسَاله، وَامْتَثَلُوا لِطَاعَتِه وَحِكْمَتُه وَفَرَّاسَتِه وَسِيَاسَتِهِ وَقِيادَتِه -طِيبٌ اللَّهُ ثَرَاهُ-، فَتَاسست وَقَامَتْ هَذِهِ الدَّوْلَةِ -بِفَضْلِ اللَّهِ- ثُمَّ صَمُودهم وَوَحْدَتَهُمْ عَلَى قَوَاعِدِ قَوِيَّة وَثَوْابت مَتِينَة كَانَ أَسَاسُهَا الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاَلَّتِي اعْتَمَدَتْ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ قُرُونٍ ثُمَّ امْتِدَادًا لِعُهُود بَعْدَهَا إلَى عَصْرِنَا هَذَا فِي الْعَهْدِ الزَّاهِر دُسْتُورًا رَسْمِيًّا لِلْبِلَاد وَالَّتِي امْتَدَّتْ مِنَ السُّعُودِيَّة الْأُولَى بِقِيَادَة الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بْنِ سُعُود -طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ- إِلَى الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّة الثَّانِيَة بِقِيَادَة الْإِمَام تُرْكِيٍّ بْن عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ سُعُود -طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ-، ثُمّ نَجْلُه الْإِمَام فَيْصَلُ بْنُ تُرْكِيٍّ بْن عَبْدِاللَّه، وَابْنَا الْإِمَام فَيَصِل، الْإِمَام عَبْدِاللَّهِ بْنِ فَيَصِل وَالْإِمَام عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ فَيَصِل -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- ثُمَّ امْتَدَّتْ إلَى الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّة الثَّالِثَة وَتُعَدّ وَرِيثِه الدَّوْلَتَيْن السُّعُودِيَتَيْن الْأَوْلَى وَالثَّانِيَةُ، وَاَلَّتِي تَأَسَّسَتْ وَتَوَحَّدَتْ عَلَى يَدِ الْإِمَامِ الْمِلْك الرَّاحِل عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ فَيَصِل ال سُعُود -طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ- وَقَدْ اسْتَعَاد فِي تِلْكَ الْحِقْبَة التَّارِيخِيَّة الِاسْتِثْائِيَّة مَدِينَةٌ الرِّيَاض؛ لِيُوَسس الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّة الْحَدِيثَة وَالْمُعَاصَرَة الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، فَـ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ إلَى هَذَا الْعَهْدِ الزَّاهِر بِقِيَادَة خَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمِلْك سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيز بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ ال سُعُود -حَفِظَهُ اللَّهُ- وَصَاحِبُ السُّمُوّ الْمَلَكِيّ وَلِيُّ الْعَهْدِ رَئِيس مَجْلِس الْوُزَرَاء الْأَمِير الأَمِيرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيز ال سُعُود -حَفِظَهُ اللَّهُ-، وَبِلَادُنَا -حَرَسَهَا اللَّهُ- جُعِلَتْ مِنْ الْقُرْانِ وَالسُّنَّةِ دُسْتُورًا رَسْمِيًّا تَحْكُمُ بِهِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَة، وَقَدْ أُوِّلَتْ الدَّوْلَة الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَوْلَى أَوْلَوِيًّاتِهَا وَبَالَغَ عِنَايَتِهِا وَفَائق رِعَايَتِهَا، وَذَلِكَ لِمَا حِبَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَخَصَّهَا بِخَصَائِصَ عَدِيدَةٍ أَنَّ جَعْلَهَا مَازِر الْإِسْلَام، وَقَبْلَة الْمُسْلِمِينَ فِي مَشْرقِ الْأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا، وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ، وَمَنْبَع الرِّسَالَة الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَهْوَى أَفْئِدَة الْمُسْلِمِينَ، فَهِيَ مَأْوَى حَجَمَهم، حَيْثُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ الْخَامِسِ، وَهِيَ مَجْمَعُ جَمُوعُهُمْ وَمُتَلَقِّي وُفُودُهُمْ، دَارِ الْإِسْلَامِ وَالسَّلَام، وَالْأَمْن وَالْإِيمَان وَالْعَدِيدِ مِنَ الْخَصَائِص الْمُبَارَكَةِ الَّتِي لَا تَجِدُهَا فِي دَوْلَةِ أُخْرَى سِوَاهَا، فَهِيَ ذَاتُ عُرَاقَة تَارِيخِيَّة حَيْث الْغَزَوَات الْإِسْلَامِيَّة وَالْمَعَارِك التَّارِيخِيَّة، شَهِدَتْ عَلَى أَرْضِهَا غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، ثُمَّ الأَحْزَابِ، ثُمَّ قُرَيْظَةَ، ثُمَّ بِئْرِ مَعُونَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ غَزْوَةُ مَكَّة، ثُمَّ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، وَالعَدِيد الْعَدِيدِ مِنَ الْغَزَوَات وَالْمَعَارِك وَالْأَحْدَاث التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي تَعُودُ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَتُعْتَبَر الْمُمَلَّكَةِ فِي عَصْرِهَا الْحَدِيث قَائِدِه لِلْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ، وَالْعَمَل الْإِنْسَانِيّ، وَلَمَّا لَهَا مِنْ مَكَانِهِ إسْلَامِيَّة عَالَمِيَّة عَالِيَة، فَقَدْ أُسِّسَتِ وَشُكِّلَتْ قِيَادَتُهَا الرَّشِيدَةُ -حَفِظَهَا اللَّهُ- مُنْذُ عُهُود مَضَتْ أَجْهِزَة حُكُومِيَّة وَدُواير رَسْمِيَّة عِدَّة لِخِدْمَة الشُّؤُون الْإِسْلَامِيَّة وَالدِّينِيَّة وَرُكْنُ الْحَجِّ وَشَعِيرَة الْعُمْرَة وَفَرِيضَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَطِبَاعُه الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ، وَتَعْلِيمِ النَّاسِ تَعَالِيهِمْ دِينَهُمْ، فِي مُخْتَلَفٍ أَرْجَاء الْمَمْلَكَة، بَلْ شَمِلَتْ حَتَّى الْعَالَمِ، وَمِنْ تِلْكَ وَزَارَة الشُّؤُون الْإِسْلَامِيَّة وَالدَّعْوَة وَالْإِرْشَاد، وَوَزَارَة الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَرِئاسةَ هَيْئَةَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَرِئاسةَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَمَجْمَع الْمِلْك فَهْد لِطِبَاعِه الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ، وَالعَدِيد الْعَدِيدِ مِنَ الْجِهَاتِ وَالْأَجْهِزَة وَالدَّوَائِر الحُكُومِيَّة وَالرَّسْمُيَّة الَّتِي تَعْنِي وَتُشْرِف بِخِدْمَة الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، وَخِدْمَة ضُيُوفُ الرَّحْمَنِ مِنْ الْحَجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِين وَزُوَّار وَقَاصِدِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَالْكَثِيرِ مِنْ الْجَامِعَات وَالْكُلِّيَّات وَالْمُعَاهَد وَالْمَجْمُعات وَالْمَدَارِسِ العَلّمية والتَّعْلِيمِيَّة، الَّتِي عَمَّتْ الْمَمْلَكَة شَمَالًا وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، وَإِنْ وَطَنِنَا الْيَوْمَ فِي ظِلِّ قِيَادته الرَّشِيدَةُ يُعَدّ امْتِدَاد لِحَضَارَة عَرِيقَة جَسَّدَتْ وَعَكَسَتْ عُرَاقَة تَارِيخُ هَذَا الْوَطَنُ الْابِي، لـ نَعْتٌز وَنَفَخر بَأْسَتذكأَرِنَا تَارِيخُ مَاضِينَا الْمُشْرِف، لِنُفَاخِر بِحَاضرنا ومُسْتَقْبَلِنَا الْوَاعِد، وَنَسَتَلَهُمْ الْيَوْمَ مُنَجَّزَاتٍنَا الْوَطَنِيَّةِ الْمَحَلِّيَّة وَالْعَالَمِيَّة وَمِنْ تِلْكَ رُؤْيَة (٢٠٣٠) الَّتِي أَطْلَقَ عِنَانَهَا سِمْو وَلِيُّ الْعَهْدِ رَئِيس مَجْلِس الْوُزَرَاء الْأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيز ال سُعُود -حَفِظَهُ اللَّهُ- بِدَعْم سَخِيّ وَرِعَايَة كَرِيمَةٌ مِنْ لَدُنْ مَقَام خَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمِلْك سَلْمَانَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيز ال سَعّوَد -حَفِظَهُ اللَّهُ- وَاَلَّتِي حَقَّقْت -بِفَضْلِ اللَّهِ- ثُمَّ بِتَوْجِيهَات وَتَوَجَّهَات قِيَادَتِنَا الرَّشِيدَةُ تَقَدَّمَا كَبِيرًا فِي مَسِيرَتُهَا وَمَرَّأَحَلَّهَا، مُنْذُ انْطِلَاقًتْهَا، عَلَى كَافَّةِ الْمُسْتَوَيَات وَفِي شَتَّى الْمَجَالَات وَمُخْتَلَف جَوَانِبِ الْحَيَاةِ، جُعِلَتْ وَطَنِنَا مَحَطُّ أَنْظَارِ الْعَالِمِ بَلْ أَكَابِر الْعَالِمِ، فَفِي الْأَيَّامِ الْقَلِيلَةِ الْمَاضِيَة اسْتَضَاف وَطَنِنَا الْمُحَادَثَات الرُّوسِيَّة الْأَمِيرُيكَيْه لِارْساء الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ وَتَعْزِيز السَّلَم وَالسَّلَامُ بَيْنَ الدَّوْلَتَيْنِ، وَدُوَل الْعَالِم، وَيُعَدُّ هَذَا امْتِدَادًا لُقْمَم إسْلَامِيَّةً وَعَالَمِيَّة اسْتِثْنَائِيَّة وَقِمَم عَرَبِيَّة وَخِلَيَجِيةَ، كَانَتْ الْمُمَلَّكَةُ قَدْ اسْتَضَافَتْهَا وَعَقَّدْتُهُا عَلَى أَرَاضِيهَا فِي سَنَوَات وَعُهُود مَضَتْ، تَرَاسها خَادِمٍ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَسُمُوّ وَلِيَّ عَهْدِهِ الْأَمِين، وَذَلِك لِمَكَانِه الْمَمْلَكَة عَالَمِيًّا وَسِيَاسِيًّا، وَلَمَّا تَحْمِلُهُ مِنْ ثِقَلِ سِيَاسِيّ كَبِيرٌ عَلَى الْمُسْتَوَى الدَّوْلِيِّ، جَعَلَهَا تَتَزَعم وَتَتَراس وَتَقَود الْعَالِمُ إلَى بُرٍّ الْأَمْنَ وَالسَّلَامَ، وَإِنْ فِي وَطَنِنَا مِنْ الْمُنَجَّزِات الْعَظِيمَةِ، يَتَرَاقص الْقَلَمُ طَرَبًا لِعِظَمِهَا، وَفَخْرًا لِمَكَانَتِهَا، وَلَا يَفِيَهَا مَقَالٌ وَلَا بَيَانُ، وَالْعَالَمُ كُلُّهُ يَشْهَدُ وَيُشَاهَد تَحَقَّق مُنَجَّزَاتٍنَا الْوَطَنِيَّةِ هَذِه تَلَوْا الْأُخْرَى، مَا جَعَلَنَا نَفَخَر وَنَفَاخر وَنِعْتز بِهَذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَة وَهَذِه الْقِيَادَة الرَّشِيدَة الْأَبِيَّة -أَعَزُّهَا اللَّه-.
بقلم: الإعلامي محمد عطية الشرقي