حج بلا تصريح .. حج آثم

بقلم الإعلامي: محمد الشرقي
أياماً معدودات وتستقبل البِقاع الطاهرة بأرضِ مكةَ المُكرمةضيوف الرحمن قاصدي فريضةَ الحج، لأداءِ مناسكهم، من بقاعالأرض قاطبةً، جماعاتٍ وأفرادًا، من قاراتٍ وأقاليم ودول ومُدنمُختلفة ، تجمعهم في آنٍ واحد عُرى الإسلام القويم وقواعد الدينالقيّم، حيثُ شرف الزمان والمكان، حين تجتمع الفضائل وتتحققمن المنافع ، والله تعالى يقول:( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)، فمن أسمىهذه المنافع وتلكم المقاصد التعارف والتقارب والتآلف والتآخيوالتواصل والتواد بين المؤمنين، إذ يتحقق بها نقاء القلوب وصفاءالنفوس، لتقوى عزيمتهم وتجتمع كلمتهم ويتحدُ صفهم وتشتدُّاخوتهم الإيمانية امتثالاً لقول الحق:(واعتصموا بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًاوَلَا تَفَرَّقُوا)، ويقول سُبحانه:( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَفِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، مُستشعرينبذلك عظم هذه العبادة الجليلة رُكن الحج الأكبر الذين جاءوا إليه من كل حدبٍ وصوب بمختلف لُغاتهم وألوانهم وعقائدهموانتماءاتهم لينالوا أجرها ويقطفوا ثمارها، ويجمعوا آثارها، وذلكمِصداقاً لقول الله تعالى:( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًاوَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وقوله تعالى:(يا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَلِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، حاملينعلى كفوفهم مشاق ومتاعب رحلة السفر، عابرين عباب البِحار،ومُحلقين السماء، وقاطعين بها المسافات الطِوال، أياما وساعات،بل قد تكون أشهرا وسنوات، لتهنأ أرواحهم حين تحط رِحالهم فيالبيت العتيق، ثم تُروى تلك الأرواح المُتعطشة بقطرة ماء زمزم،تلكم البئر المُباركة، ليتفرغوا بعدها إلى تغذيةَ أرواحهم الغذاءالإيماني، وتبدأ من هُنا رحلة أُخرى، رحلة الحج الكُبرى، رحلةالعُمر، حين يتحقق الاستقرار الرُوحي بالأمن والأمان والسكينةوالاطمئنان، لـ تبدأ إذًا الرحلة من هُنا؛ ولتُحقق كافة أركان الحجوواجباته، لتبدأ رحلة الحج الأكبر قبل وصولك الميقات، وقبل التجرد من المخيط ، وقبل الإهلال بالنُسك، تبدأ الرحلة باستشعار المسؤولية واتباع الأنظمة المنظمة لهذه الشعيرة العظيمة ومن أهمها (تصريح الحج)، به تبدأ رحلتَكَ بأمن وأمان وسكينةواطمئنان، ودونه لا تتحقق منافع الحج ومقاصده ، بل لربما تأثم نفسك، وينقص أجرك، وقد حرصت الدولة المُباركة -حرسها الله- على كافةَ الحجاج من داخل البِلاد وخارجها، مواطنين ومُقيمين،على استخراجه لضمان حجٍ آمن ومُطمئن، بحريص كبير من لدُنخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود-أيّده الله- وبمُتابعة حثيثة من لدن ولي العهد رئيس مجلس الوزراءصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آلسعود -حفظه الله- وبإشراف ومُتابعة مُباشرة من لدن صاحبالسمو الملكي مُستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل ،ومُباشرةميدانية ومُتابعة لحظية من سمو نائبه الأمير سعود بن مشعل بنعبدالعزيز آل سعود -حفظهم الله- لتكتمل مسوغات هذه الرحلةالإيمانية وتبدأ أُولى خطواتها بلبسك الإحرام ثم مبيتك في مشعرمنى، ثم وقفتُكَ ووقوفك بين يدي الله تعالى في صعيد عرفةالطاهر، والحجُ عرفة، حيثُ تسكب العبرات، وتُرفع الدعوات،وتتنزلُ الرحمات في تلكمُ الساعات، وتلك الوقفات التي يقفهاالمؤمن الحاج مُنادياً داعياً سائلاً ربه، هي لحظات وإن كانتساعات، فإنها تمرُ مرار الكِرام، على أُولئك المؤمنين الآمنين، الذينحققوا وتحققوا من الأركان والواجبات الشرعية والتنظيمية.
أيها الحاج المبارك: الذي نهاك عن لبس المخيْط وتجاوز الميقات بلا إحرام هو الذي نهاك أن تعصي ولي الأمر. فهل ترضى لنفسك أن تأخذ من الدِّين ما تهوى فقط؟
تأملوا في العواقبِ السيئةِ للحج بلا تصريح من زيادةِ الأعداد التي تخرجُ عن الطاقة الاستيعابية للحرم والمشاعر، وتَعَرُّضِ الحجاجِ للتزاحمِ والتدافعِ وضرباتِ الشمسِ والموتِ بسبب ذلك. تأمّلوا في آثارِها على الخدماتِ الأمنيةِ والصحيةِ حين يتجاوز القادمون للحج العددَ الذي قدّرته الدولةُ بناءً على الإمكانات المتاحة.
إن هؤلاء الذين يحجون بلا تصريح يقعون في مآثمَ كثيرة:
منها معصية الله ورسوله ﷺ، ومعصيةُ وليِّ الأمر، ومنها الكذبُ، والخداعُ، وتركُ بعض واجباتِ الإحرام، وارتكابُ بعضِ محظوراته، كلُّ ذلك عن عمد، وقد قال النووي رحمه الله: ” ” ورُبَّمَا ارْتكَبَ بعضُ العَامةِ شيئاً من هذه المُحرَّمات وقال: أنَا أفْتدِي مُتوهِّماَ أنهُ بالْتزِام الْفِدْية يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَال المعصية وذلك خَطَأ صَريحٌ وجَهْلٌ قَبيح..ومَنْ فَعَلَ شيئاً مما يُحْكَمُ بتَحْريمه فقد أخْرَجَ حَجهُ عن أنْ يكونَ مَبْروراً” انتهى كلامه.
وبذلك يُعلم أن الحجِّ بلا تصريحٍ إضرارٌ بالنفسِ في الدنيا والآخرة، وأذيةٌ عظيمة للمسلمينَ في الشهرِ الحرامِ والبلدِ الحرام، وتذكروا أيضاً أنَّ من يعين المخالفَ عن علمٍ وعمدٍ فهو شريكه في الإثم والخطيئة.
الحجاج بلا تصريح خالفوا بذلك تعاليم الشريعة الإسلاميةوتعليمات الأنظمة السعودية، وذلك وفقاً لما جاء في بيان هيئة كِبارالعلماء في المملكة العربية السعودية والذي ينص على أنه:” لايجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح ويأثم فاعله لما فيه منمخالفة أمر ولي الأمر الذي ما صدر إلا تحقيقاً للمصلحة العامة،ولا سيما دفعوا الأضرار بعموم الحجاج وإن كان الحج حجفريضة ولم يتمكن المكلف من استخراج تصريح الحج فإنه فيحكم عدم المُستطيع، قال الله تعالى:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال سُبحانه:( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِسَبِيلً)، أنتهى نص البيان.
إذاً ينبغي لـ ضيف الرحمن بعد قراءته لبيان العُلماء أن يستشعرويدرك عظم هذه المسؤولية، وعواقب مُخالفتها وخطورة تجاوزها،والواجب على الحجيج أن يتمسكوا بتعاليم الشريعة وتعليماتأنظمة الدولة بما نصت عليه الأحكام الشرعية والأدلة القرآنيةوالأنظمة والقوانين السعودية بمنع الحج بلا تصريح، عاملين بقولالله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِيالْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وقوله سُبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاتَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، إذًا فلنحرص ونُشدد ونؤكد علىالالتزام بكافة مقاصد الحج الشرعية وتعليمات الدولة التنظيميةوتوجيهات القيادة الرسمية والصادرة أيضًا من الجهات الحكومية والأمنية والرسمية بما يُحقق رحلة حجٍ إيمانية آمنه، وإن منمنطلق وطنيتنا وصميم مهنيتنا وما تُحتّمه علينا واجباتنا تجاهحقوق بلادنا، فإننا اليوم وكل يوم جميعاً رجال أمن ودولة لهذهالبِلاد المُباركة ، نحرس حِماها ونحمي مُقدساتها ونحفظاستقرارها ممن يُحاول العبث بتجاهل وتجاوز أنظمتها وتعليماتهاوقراراتها كالحج بلا تصريح، أو زعزعةَ أمنها ونشر الفوضىوالتشويش والبلبلة، في مشاعرها المُقدسّة وإننا يدًا واحدة، وسدًامنيعاً مع قيادتنا الرشيدة الأبيّة المُباركة، ووطننا ورجال أمنناالأشاوس ضد من يُفكّر ترويع الحجاج الآمنين، ويُحاول إثارةالقلاقل والفتن والنعرات والنزاعات والخلافات ورفع الشعاراتالسياسية والمذهبية والطائفية، واستغلال المشاعر سياسياً وحزبياً لإفساد المنافع والمقاصد الشرعية المُباركة، ونؤكدُ جزماً إن بلادنالا تقبل ولن تقبل أي تصرفات من شأنها أن تعكر صفو الحجوسكينته والحجاج واطمئنانهم، وإننا والله لن نخشى في الله لومةَلائم في حفظ أمن وسلامة ضيوف الرحمن، حجاج بيتِ اللهالحرام بل ونسعى جاهدين مع ولاة أمر هذه الدولة المُباركة فيخدمتهم وتمكينهم لأداء مناسكهم بيسر وسهولة، وتقديم مُختلفالخدمات الإنسانية والأمنية والصحية والدينية والاجتماعية،وجعلها كأولوية أُولى، وتيسير وتسهيل كافة إجراءاتهم، ليتمكنوامن أداء مناسكهم بأمن وسلام وراحة واستقرار، ليعودوا إلىبُلدانهم وأوطانهم سالمين غانمين، في روحانية هذه العبادةالعظيمة، وعبق الذكريات الجميلة.