مقالات

حين يعلو التعصب ويسقط الوطن من المدرج

لا أدري ما الذي دها الوسط الرياضي في المملكة، وكيف انحدرت كرتنا من فضاء التنافس الشريف إلى قاع التعصب الأعمى. كانت الأندية ذات يوم رموزًا للقيم، ورسائل للانتماء، ووجهًا حضاريًا يعكس وعي المجتمع، فإذا بها تتحول إلى رايات خصام، تُرفع الألوان فوق كل اعتبار، حتى غدا الوطن آخر ما يُلتفت إليه في ضجيج المدرجات وصخب المنصات.

لم يعد الخلاف رياضيًا، ولا الجدل فنيًا، بل تجاوز حدود الملعب ليصير تشكيكًا وتجريحًا وسخرية، وانقسامًا حادًا بين جماهير يجمعها وطن واحد وتفرقها نتيجة مباراة. تراجعت الروح الرياضية، وغاب احترام الخصم، وصار الفوز ذريعة للغرور، والخسارة مبررًا للفوضى والاتهام، وكأن الرياضة لم تُخلق إلا لتكريس العداوة لا لصناعة الفرح.

والأخطر من كل ذلك أن هذا الخطاب لم يبقَ حبيس الملاعب، بل تسلل إلى المجتمع، وتشربته الأجيال الشابة وهي تراه يوميًا على الشاشات وفي وسائل التواصل. فما يُبث من تعصب يُثمر قسوة، وما يُروّج من إساءة يتحول سلوكًا، وحين تصبح القدوة مثالًا سيئًا، نخسر الأخلاق قبل أن نخسر الألقاب.

ولم يكن الإعلام الرياضي بريئًا من هذا الانحدار، إذ اختار في كثير من الأحيان أن يكون جزءًا من الأزمة لا جسرًا للحل، فأشعل نار الإثارة، ووسّع هوة الانقسام، ومنح الإساءة شرعية، والتجريح صفة النقد. وهكذا أصبحت الكلمة رصاصة، والعنوان وقودًا، والمشاهد ضحية.

إن الرياضة في جوهرها رسالة سامية، ومساحة لقاء، وأداة توحيد، لا ساحة صراع ولا ميدانًا لتصفية الحسابات. وهي اليوم أحوج ما تكون إلى وقفة شجاعة تعيد ترتيب الأولويات، وتضبط البوصلة، وتذكّر الجميع بأن الوطن أكبر من نادٍ، وأبقى من بطولة، وأعلى من لون. فإما أن نعيد للرياضة أخلاقها، أو نتركها تواصل هدم ما تبقى من روحها، ومعها شيء من صورتنا أمام أنفسنا والعالم.

بقلم : غندور السهيمي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com

اكتشاف المزيد من صحيفة البلد الإلكترونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading